آداب الحوار عند المسلمين
الحوار وإن كان مما يتعاطاه الناس بطبعهم وفي حياتهم اليومية مع من يعرفون ومن لا يعرفون إلا أن له أهمية خاصة عند العقلاء به تكتسب الخبرات وتزيد العقول ويتوصلون به إلى وجه الصواب فيما أشكل عليهم ، هدفهم طلب الحق والكشف عن وجه الصواب في الأمور كلها، ووسيلتهم الأدب الجم، وانتقاء أطايب الكلم .
معنى الحوار والفرق بينه وبين الجدلكلمة
الحوار مشتقة من الحَوْر، وهو الرجوع عن الشيء وإلى الشيء، وسمي الحوار حواراً لأن في المحاورة مراجعة ومجاوبة للكلام بين طرفين أو أكثر.
وأما
الجدال فهو التمسك بالرأي وقصد الغلبة لإلزام الخصم سواء كان بحق أو باطل؛ فإن كان بحق فهو محمود وإلا فهو مذموم.
ولا شك أن الجدال في الدين ينشئ المراء، ويذهب بنور العلم من القلب، ويقسي، ويورث الضغائن
آداب الحوار:
- الموضوعية في الحوار والتحرّر من المؤثرات الجانبية التي تبعدك عن طريق الوصول إلى بيت الحقيقة. وقد تكون المؤثرات نفسية تنطلق من الحبّ والبغض والمزاج والتعصب.. ولو تابعت جميع حوارات النبي (صلى الله عليه وسلم) لرأيت أنّه كان يحاور الكافرين والمشركين وأبناء الديانات الأخرى بحبّ .
- روحية الانفتاح والمرونة : افتح قلبك لمحاورك.. وقد قيل إنّك إذا أردت أن تفتح عقله فافتح قلبه أوّلاً، فالحقد والبغضاء أبواب موصدة وأقفال صدئة لا تفتح عقلاً ولا قلباً ولا أذناً. لا تتهمه بشيء.. ولا تحمل كلماته محمل السوء، فقد نسب لعلي بن أبي طالب عليه السلام قوله: "ضَعْ أَمْرَ أَخِيكَ عَلَى أَحْسَنِهِ حَتَّى يَأْتِيَكَ مَا يَغْلِبُكَ مِنْهُ". فالقاعدة الاسلامية في التعامل مع الآخرين سواء في الحوار أو في غيره، هي أن تحمل أقوالهم وأفعالهم على الصحّة، ولا تلجأ إلى الاحتمالات السيِّئة. وقد نسب لعلي بن أبي طالب عليه السلام : "لاَ تَظُنَّنَّ كَلِمَةً خَرَجَتْ مِنْ أَخِيكَ سُوءاً، وَأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الخَيْرِ مَحْمَلاً".
- التركيز على نقاط الاتفاق: الحوارات التي تبدأ بمناقشة نقاط الاختلاف والتوتر، أو ما يسمّى بالنقاط الحادة والساخنة حوارات كتبت على نفسها الفشل سلفاً. فلا تسقط الحوار بإثارة مشاعر محاورك في نقاط الاختلاف، وإنّما أكّد على نقاط الالتقاء أو ما يسمّى بـ (الأرضية المشتركة) حتى تمهّد الطريق لحوار موضوعي ناجح. والقرآن الكريم يضع هذه القاعدة الحوارية المهمة في صيغة الآية الكريمة: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (سورة آل عمران:64).
- الالتزام بأدب الحوار: وأدب الحوار هو جزء من أخلاقية الحوار، ويستدعي مراعاة الأمور التالية:
- أولاـ استخدام اللغة المهذبة: فالكلمات التي تندرج تحت عنوان الشتائم والسباب والتشهير والتسقيط، ليست كلمات جارحة ونابية فقط، وإنّما كلمات هدّامة لا تبقي مجالاً للحوار ولجسوره بل تنسفها نسفاً. ولذا قال الله تعالى وهو يعلّمنا لغة التهذيب حتى مع المسيئين: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) (سورة الأنعام: 108). وقال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (سورة النحل:125).
- ثانياـ استخدم اللغة الرقيقة اللينة : فالكلمات التي بين يديك فيها (حسن) وفيها (أحسن).. اختر الأحسن ما أمكنك ذلك لأنّه يعمّق العلاقة النفسية والفكرية مع محاورك. ولذا فإنّ الله سبحانه وتعالى حنيما طلب من موسى وهارون (عليهما السلام) أن يحاورا الطاغية فرعون، قال لهما: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (سورة طه:43-44)، أي استعملا في حواركما معه لغة شفافة فيها لطف وليس فيها عنف. ذلك أنّ الكلمات الجافة والقاسية توصد أبواب الاستجابة وتغلق طريق الحوار، وذلك قوله تعالى: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (سورة آل عمران:159).
- ثالثاـ احترم رأي محاورك : لأن ذلك يخلق حالة من الانفتاح على الأفكار المطروحة للنقاش. واعلم أن احترام الرأي غير احترام الشخص، فقد تحاور إنساناً ضالاًّ وقد تحترم بعض آرائه، أي أنّك لا تستخفّ بها فتجعله يسخّف آراءك أيضاً، لكنّ الاحترام في الحوار هو جزء من أدب الحوار ولا يعني تبنّي واعتناق تلك الأفكار.
</LI>
وحتى نلخّص أخلاقية الحوار وأدبه، نقول:
- أدر الحوار بعقل بارد بعيد عن التوتر والإثارة، وتذكّر أنّ المحاور المتشنج مهزوم حتى ولو كان الحق إلى جانبه.
- ركِّز على الأساسيات ولا تدخل في التفاصيل فتضيع في دهاليزها، لأنّ الخوض في الجزئيات والثانويات والفرعيات يفقدك جوهر الموضوع ولا يؤدي إلى نتيجة.
- واصل الحوار.. فالحوار قد لا ينتهي في جلسة واحدة، وإذا كانت هناك عدّة جلسات حوارية، ففي الجلسات القادمة ابدأ من حيث انتهيت.
- بهدوئك وأدبك وأخلاقك جرّ محاورك إلى ساحة الأدب والتهذيب والتزام أصول الحوار، وإذا رفض فلا تدخل في مهاترة.
- لتكن (الحقيقة) غايتك من الحوار، فما عداها لا يمكن اعتباره حواراً جاداً ونافعاً.